
وداعاً للخجل: كيف وجد “طارق” صوته وكوّن صداقات جديدة؟
1. التحدي: “طفل رائع يعيش خلف ستار من الصمت”
عندما التقينا بوالدي “طارق” (اسم مستعار)، طفل يبلغ من العمر 6 سنوات، كانا يصفان تجربتين مختلفتين تماماً. في المنزل، كان طارق طفلاً مبدعاً، مضحكاً، وكثير الكلام، لديه خيال واسع ويحب رواية القصص. أما خارج المنزل، في المدرسة أو في التجمعات العائلية، كان طارق يختفي خلف ستار من الصمت.
كان يتشبث بوالدته، يهمس في أذنها بدلاً من التحدث مباشرة، وإذا سأله شخص بالغ سؤالاً، كان ينظر إلى الأرض أو يرفض الإجابة. في المدرسة، كانت معلمته تقول إنه “لطيف جداً” لكنه “يلعب بمفرده دائماً”. كان يقف على حافة الملعب، يراقب الأطفال الآخرين وهم يلعبون، يرغب بشدة في الانضمام إليهم لكنه لا يملك الشجاعة أو لا يعرف كيف يبدأ. كان الألم الأكبر لوالديه هو رؤية شخصية ابنهم الرائعة محبوسة خلف جدار من الخجل والقلق الاجتماعي.
2. رحلة الدعم: بناء المهارات خطوة بخطوة
كان نهجنا مع طارق يرتكز على بناء مهاراته الاجتماعية وثقته بنفسه تدريجياً في بيئة آمنة، بدلاً من دفعه إلى مواقف تسبب له القلق.
- الجلسات الفردية مع طارق: كانت جلساتنا هي “صالة التدريب” الاجتماعية الخاصة به. استخدمنا لعب الأدوار بشكل مكثف من خلال الدمى والألعاب:
- “سيناريو بدء اللعب”: تدربنا مراراً وتكراراً على كيفية الانضمام إلى مجموعة من الأطفال. تعلمنا جملاً بسيطة وفعالة مثل: “ماذا تلعبون؟ تبدو لعبة ممتعة!” أو “هل يمكنني أن أبني معكم؟”.
- “سيناريو المحادثة”: تدربنا على كيفية بدء حوار مع طفل آخر من خلال طرح سؤال حول شيء يفعله، مثل “رسمتك جميلة، هل هذا ديناصور؟”. كانت هذه الجلسات تبني “ذاكرة عضلية” اجتماعية يمكنه استخدامها في العالم الحقيقي.
- جلسات إرشاد الوالدين: لعب الأهل دور “الداعم الاجتماعي” لابنهم، وتعلموا استراتيجيات محددة:
- عدم التحدث نيابة عنه: توقفوا عن الإجابة على الأسئلة الموجهة له. بدلاً من ذلك، كانوا ينتظرون بصبر، وإذا لزم الأمر، يشجعونه بهدوء: “طارق، خالتك تسألك عن يومك”.
- بناء الجسور بدلاً من الدفع: في الحديقة، بدلاً من قول “اذهب والعب معهم”، كانت الأم تقترب من مجموعة من الأطفال ومعها طارق، وتبدأ هي الحوار: “مرحباً، بناءكم رائع! طارق وأنا كنا نتساءل كيف بنيتم هذا البرج العالي”. هذا يفتح الباب لطارق للدخول في التفاعل بسهولة أكبر.
- مواعيد لعب منظمة: قمنا بترتيب مواعيد لعب قصيرة (واحد لواحد) مع طفل هادئ من صفه، مع وجود نشاط محدد (مثل بناء الليغو)، مما قلل من الضغط الاجتماعي.
3. التحول الإيجابي: من المراقبة إلى المشاركة
بدأت التغييرات صغيرة لكنها كانت ذات معنى عميق:
- الانتصارات الصغيرة: في أحد الأيام، استخدم طارق “السيناريو” الذي تدربنا عليه وطلب من زميله في الصف أن يشاركه الألوان. كانت هذه هي المرة الأولى التي يبادر فيها.
- زيادة الثقة: مع كل نجاح صغير، كانت ثقة طارق بنفسه تنمو. بدأ في الرد على البالغين بصوت أوضح، وبدأ يبتسم للأطفال الآخرين في الملعب.
- اللحظة الحاسمة: جاءت عندما أخبرت المعلمة الوالدين أن طارق لم يكتفِ بالانضمام إلى لعبة، بل اقترح فكرة جديدة على أصدقائه وقد استمعوا إليه. في حفلة عيد ميلاد، شاهده والداه وهو يضحك ويركض مع طفلين آخرين، دون أن ينظر خلفه ليتأكد من وجودهما.
- راحة الوالدين: قالت والدته: “لم نغير شخصيته، فهو لا يزال طفلاً هادئاً ومفكراً. لكننا أعطيناه الأدوات والثقة ليكون على سجيته مع الآخرين. رؤيته يكوّن صداقاته الخاصة هي كل ما كنا نتمناه”.