1. التحدي: “كانت تتحدث، لكنها لا تستمع بأم عينيها”

“هبة” (اسم مستعار)، طفلة ذكية وثرثارة تبلغ من العمر 8 سنوات، كانت تواجه تحدياً خفياً ومحيراً. كانت قادرة على التحدث بطلاقة عن مواضيعها المفضلة، لكنها كانت تجد صعوبة بالغة في الحفاظ على الصداقات. وصفت والدتها المشكلة قائلة: “إنها مثل الذي يلعب مباراة دون أن يعرف القواعد. تتحدث بحماس عن الكواكب، بينما صديقتها تبدو عليها علامات الملل الواضحة، لكن هبة لا تلاحظ ذلك وتستمر في الحديث”.

كانت هبة تجد صعوبة في قراءة الإشارات الاجتماعية غير اللفظية: لم تكن تفهم متى يكون دورها في الكلام، أو تفسر تعابير وجه صديقتها الحزينة على أنها غاضبة، أو تدرك أن اقترابها الجسدي الزائد يزعج الآخرين. نتيجة لذلك، كان الأطفال الآخرون يصفونها بأنها “غريبة” أو “مزعجة”، وكانت هبة تشعر بالرفض والارتباك بشكل متكرر، دون أن تفهم السبب الحقيقي وراء ذلك.

2. رحلة الدعم: أن نصبح “محققين اجتماعيين”

كان هدفنا مع هبة هو تحويل القواعد الاجتماعية غير المرئية إلى قواعد واضحة وملموسة يمكنها تعلمها وممارستها. كان نهجنا هو أن نصبح “محققين اجتماعيين” معاً.

  • الجلسات الفردية مع هبة:
    1. استخدام الأدوات البصرية: كانت الصور ومقاطع الفيديو القصيرة (بدون صوت) هي أدواتنا الأساسية. كنا نشاهد مقاطع لأشخاص يتفاعلون، ومهمة هبة كانت البحث عن “الأدلة”: ماذا تفعل أعينهم؟ كيف يبدو شكل فمهم؟ ماذا تفعل أيديهم؟
    2. بطاقات المشاعر: استخدمنا بطاقات تعليمية تظهر تعابير وجه مختلفة (سعيد، حزين، غاضب، مندهش، ملل). تدربنا على تسمية هذه المشاعر وربطها بمواقف حياتية محتملة.
    3. لعب الأدوار و”التشريح الاجتماعي”: قمنا بتمثيل سيناريوهات اجتماعية محددة. بعد موقف صعب تمر به في المدرسة، كنا نقوم بـ”تشريح اجتماعي” للموقف: تحليل هادئ وغير حكمي لما حدث، وماذا كان يفكر ويشعر به الطرف الآخر، وما الذي يمكن تجربته بشكل مختلف في المرة القادمة.
  • جلسات إرشاد الوالدين: تعلم الأهل كيف يكونون “المعلقين الاجتماعيين” في حياة هبة اليومية.
    • السرد الاجتماعي: أثناء مشاهدة فيلم معاً، كانت الأم تقول بهدوء: “انظري إلى وجهه، أعتقد أنه يشعر بخيبة أمل لأن صديقه لم يأتِ”. هذا السرد المستمر ربط المشاعر بالإشارات البصرية.
    • اختيار الأنشطة المنظمة: شجعناهم على إشراكها في أنشطة ذات قواعد اجتماعية واضحة، مثل دروس الطبخ أو الألعاب اللوحية، والتي تكون أقل إرباكاً من اللعب الحر غير المنظم.

3. التحول الإيجابي: من الارتباك إلى التواصل بثقة

مع الوقت، بدأت هبة في تجميع “كتالوج” داخلي من القواعد الاجتماعية، مما انعكس إيجاباً على حياتها.

  • زيادة الوعي والملاحظة: بدأت هبة بنفسها في البحث عن “الأدلة”. أصبحت تلاحظ عندما يبدأ صديقها بالنظر بعيداً، وتتعلم أن هذا يعني أنه حان الوقت لتغيير الموضوع أو طرح سؤال عليه.
  • تحسن نوعية التفاعلات: جاءت اللحظة الفارقة عندما عادت من موعد لعب وقالت لوالدتها: “صديقتي كانت هادئة اليوم. سألتها إذا كان هناك ما يزعجها، وقالت إنها حزينة لأن قطتها مريضة”. لقد قرأت الإشارة بشكل صحيح، وأظهرت تعاطفاً، وعمّقت صداقتها.
  • انخفاض القلق الاجتماعي: كلما أصبحت الخريطة الاجتماعية أوضح، قل شعور هبة بالارتباك والقلق. أصبحت تشعر بثقة أكبر في قدرتها على التنقل في المواقف الاجتماعية.
  • فهم أعمق للوالدين: قالت والدتها: “كنا نعتقد أنها فقط لا تهتم، لكننا الآن ندرك أنها لم تكن ترى ما نراه. لم نغير شخصيتها المحبة للكلام، بل أعطيناها ‘نظارات’ خاصة لترى بها العالم الاجتماعي بشكل أوضح. رؤيتها تتواصل وتضحك مع صديقة تفهمها هو أمر لا يقدر بثمن”.