1. التحدي: “مائدة الطعام كانت ساحة معركة”

عندما تواصل معنا والدا “مايا” (4 سنوات) و”سامر” (7 سنوات)، كانا يصفان وقت العشاء بأنه “أكثر ساعة مرهقة في اليوم”. كانت مائدة الطعام قد تحولت إلى ساحة معركة يومية. مايا، طفلة انتقائية في أكلها، كانت ترفض تذوق أي شيء جديد، وتكتفي بالخبز أو المعكرونة فقط. سامر، من جانبه، كان يستغل الموقف ليتجنب أكل الخضروات ويشكو باستمرار.

كان الوالدان قد جربا كل شيء: الإقناع (“هذه مفيدة لك”)، الرشوة (“إذا أكلت الجزر، ستحصل على الآيس كريم”)، والتهديد (“لن تشاهد التلفاز حتى تنهي طبقك”). كل هذه المحاولات كانت تنتهي بالجدال، دموع مايا، وإحباط الوالدين. قالت الأم: “كنا نأمل أن يكون العشاء وقتاً للتواصل، لكنه أصبح مصدراً هائلاً للتوتر لنا جميعاً. لقد أصبحنا نكره وقت العشاء”.

2. رحلة الدعم: إعادة تعريف الأدوار على المائدة

كان الحل لا يكمن في إجبار الأطفال على الأكل، بل في تغيير الديناميكية بأكملها. من خلال جلسات إرشاد الوالدين، قدمنا لهم مفهوماً جديداً وقوياً يُعرف بـ “تقسيم المسؤوليات”.

  1. تحديد دور الوالدين: تعلمنا أن وظيفة الأهل هي تحديد ماذا يُقدم من طعام، متى يُقدم، وأين يُقدم. دورهم ينتهي عند وضع طبق صحي ومتنوع على الطاولة.
  2. تحديد دور الطفل: وظيفة الطفل هي أن يقرر هل سيأكل، وكم سيأكل مما هو متاح في طبقه.

لتطبيق هذا المفهوم، اتبعنا استراتيجيات عملية:

  • قاعدة “الطعام الآمن”: التزم الوالدان بتقديم صنف واحد على الأقل تعرف مايا أنها تحبه في كل وجبة (مثل الأرز أو الخيار). هذا أزال قلق الوالدين من أن “طفلتهما لن تأكل شيئاً على الإطلاق”.
  • إزالة الضغط تماماً: كانت هذه هي الخطوة الأصعب والأهم. توقف الوالدان تماماً عن التعليق على أكل أطفالهما. لا مزيد من “جرب لقمة واحدة فقط” أو “أحسنت لأنك أكلت”. أصبح التركيز على الاستمتاع بوجبتهم هم، والتحدث في مواضيع أخرى ممتعة.
  • إشراك الأطفال في الإعداد: أصبح سامر مسؤولاً عن وضع المناديل، ومايا تساعد في غسل الخضروات (دون أي ضغط لتأكلها). هذا التفاعل الإيجابي مع الطعام قلل من مقاومتها له.

3. التحول الإيجابي: من التوتر إلى التواصل

لم تبدأ مايا بأكل السلطة بين عشية وضحاها، لكن التحول الحقيقي كان في جو الأسرة:

  • اختفاء المعارك: بمجرد أن توقف الوالدان عن محاولة التحكم في أكل أطفالهما، اختفى سبب الصراع. أصبح وقت العشاء هادئاً بشكل مدهش.
  • ظهور الفضول: مع إزالة الضغط، انخفض قلق مايا تجاه الطعام. بعد أسبوعين، لاحظت الأم أن مايا لمست قطعة جزر بإصبعها. في الأسبوع التالي، لحستها. وبعد شهر، أخذت قضمة صغيرة منها بمفردها، دون أي تشجيع. لقد كانت تستكشف بوتيرتها الخاصة.
  • استعادة متعة اللقاء: الأهم من كل شيء، استعادت الأسرة وقت العشاء. أصبحوا يتحدثون عن يومهم، يضحكون، ويتواصلون. تحول وقت العشاء من مصدر للتوتر إلى مصدر للراحة والبهجة.
  • ثقة أكبر للوالدين: قال الأب: “كان الأمر غريباً في البداية، أن نتخلى عن السيطرة. لكن المفارقة هي أننا عندما توقفنا عن محاولة إجبارهم على الأكل، أصبحوا أكثر استعداداً للتجربة. لقد استعدنا أمسياتنا العائلية، وهذا لا يقدر بثمن”.