لكل طفل مصاب باضطراب طيف التوحد (ASD)، قد يبدو العالم الاجتماعي وكأنه لغز معقد بقواعد غير مكتوبة. بينما يكتسب معظم الأطفال المهارات الاجتماعية بشكل طبيعي من خلال الملاحظة والتفاعل، يواجه أطفال التوحد تحدياً حقيقياً في فك شفرة هذا العالم. لكن هذا لا يعني أنهم لا يستطيعون تعلمها. بصفتك ولي أمر، أنت المرشد الأول والأهم لطفلك في هذه الرحلة. هذا الدليل مصمم لتزويدك بالفهم والاستراتيجيات العملية لمساعدة طفلك على بناء جسور التواصل الاجتماعي، خطوة بخطوة.
1. لماذا تعتبر المهارات الاجتماعية تحدياً؟
لفهم كيفية المساعدة، يجب أن نعرف أولاً سبب الصعوبة. يواجه الأطفال المصابون بالتوحد تحديات جوهرية في:
- فهم وجهات نظر الآخرين (نظرية العقل): صعوبة في إدراك أن الآخرين لديهم أفكار ومشاعر ومعتقدات مختلفة عن أفكارهم.
- قراءة الإشارات غير اللفظية: يجدون صعوبة في تفسير لغة الجسد، تعابير الوجه، ونبرة الصوت، وهي تشكل جزءاً كبيراً من التواصل.
- فهم القواعد الاجتماعية الضمنية: القواعد غير المكتوبة مثل كيفية بدء محادثة، انتظار الدور، أو الحفاظ على مسافة شخصية مناسبة، قد تبدو مربكة وغير منطقية لهم.
2. المهارات الأساسية: من أين نبدأ؟
تنمية المهارات الاجتماعية تشبه بناء منزل، يجب أن نبدأ بالأساسات قبل أن نصل إلى الطوابق العليا. أهم هذه الأساسات هي:
- الانتباه المشترك (Joint Attention): هي القدرة على مشاركة الاهتمام بشيء ما مع شخص آخر (مثلاً، عندما يشير الطفل إلى طائرة في السماء وينظر إليك ليتأكد أنك تراها أيضاً). هذه هي الشرارة الأولى للتفاعل الاجتماعي.
- انتظار الدور (Turn-Taking): مهارة أساسية ليس فقط في الألعاب، بل في المحادثات والتفاعلات اليومية.
- التعرف على المشاعر: البدء بتعليم المشاعر الأساسية (سعيد، حزين، غاضب) من خلال الصور والقصص والتعابير الواضحة.
3. استراتيجيات عملية يمكنك تطبيقها في المنزل
لا تحتاج إلى أن تكون خبيراً لتحدث فرقاً. التكرار والصبر في بيئة المنزل الداعمة هما مفتاح النجاح.
- استخدم القصص الاجتماعية (Social Stories):
القصص الاجتماعية هي قصص قصيرة وبسيطة تصف موقفاً اجتماعياً محدداً والردود المتوقعة فيه. مثلاً، يمكنك كتابة قصة بسيطة بعنوان “كيف أقول مرحباً لصديقي” مع صور توضيحية. هذا يحول الموقف المربك إلى سيناريو واضح ومفهوم. - لعب الأدوار (Role-Playing):
قبل الذهاب إلى حفل عيد ميلاد أو موعد لعب، قم بتمثيل سيناريوهات محتملة مع طفلك. “ماذا ستقول عندما يعطيك صديقك هدية؟” أو “كيف تطلب المشاركة في اللعبة؟”. التدريب في بيئة آمنة يقلل من القلق ويزيد من الثقة. - اجعل التعلم مرئياً:
الأطفال المصابون بالتوحد غالباً ما يكونون متعلمين بصريين. استخدم جداول مرئية، صور، أو حتى تطبيقات على الجهاز اللوحي لشرح المفاهيم الاجتماعية. “مقياس الصوت” المصور يمكن أن يساعده على فهم متى يجب أن يكون صوته هادئاً ومتى يمكن أن يكون مرتفعاً. - استغل اهتماماته الخاصة:
إذا كان طفلك مهووساً بالديناصورات، استخدمها كنقطة انطلاق. ابحث عن طفل آخر يحب الديناصورات ورتب موعد لعب قصير ومنظم. التحدث عن اهتمام مشترك هو أسهل طريقة لبدء تفاعل اجتماعي ناجح.
4. قوة اللعب المنظم
اللعب هو وظيفة الطفل، وهو أفضل وسيلة لتعلم المهارات الاجتماعية.
- ابدأ بمواعيد لعب قصيرة وناجحة: ابدأ بجلسات لعب قصيرة (15-20 دقيقة) مع طفل واحد فقط. اختر طفلاً هادئاً ومتعاوناً. وجود نشاط منظم (مثل بناء برج بالمكعبات) يعطي اللعب هدفاً واضحاً ويقلل من الفوضى.
- كن الوسيط والمشجع: في البداية، قد تحتاج إلى التدخل لتوجيه التفاعل. “حان دور أحمد الآن ليلعب بالسيارة”. احتفل بأي تفاعل إيجابي، مهما كان صغيراً، بمدح فوري وواضح: “أعجبني كيف شاركت لعبتك مع صديقك!”.
تعليم المهارات الاجتماعية لطفل مصاب بالتوحد هو ماراثون وليس سباقاً قصيراً. ستحتاج إلى الكثير من الصبر، التكرار، والاحتفال بالانتصارات الصغيرة. تذكر أن كل خطوة، مهما كانت بسيطة، هي إنجاز عظيم. دورك كولي أمر ليس فقط كمعلم، بل كأعظم مشجع لطفلك في رحلته نحو التواصل مع العالم.
هل تبحث عن دعم متخصص ومنظم لمساعدة طفلك على تنمية مهاراته؟ “برنامج دعم وعلاج أطفال التوحّد” لدينا يقدم خططاً فردية تركز على بناء المهارات الاجتماعية والتواصلية في بيئة داعمة ومحفزة. تواصل معنا لمعرفة المزيد.