1. التحدي: “كنا نظن أنه طفل صعب المراس”

عندما جاء إلينا والدا “سالم” (اسم مستعار)، طفل يبلغ من العمر 5 سنوات، كانا يشعران بالحيرة والإرهاق. وصفا ابنهما بأنه “درامي جداً” و”صعب الإرضاء”. كانت حياتهم اليومية مليئة بمعارك تبدو غير منطقية: انهيار كامل كل صباح بسبب “ملمس الجوارب الخاطئ”، صراخ وتغطية للأذنين في السوبر ماركت المزدحم، ورفض قاطع لمعظم أنواع الطعام بناءً على قوامها وليس طعمها.

في المقابل، كان سالم يبحث عن التحفيز الحسي بطرق أخرى، حيث كان يحب الدوران في مكانه حتى يسقط، والاصطدام بالأرائك عن قصد. كان والداه يتعاملان مع هذه السلوكيات على أنها “عناد” أو “شقاوة”، وكانت محاولاتهم في التأديب التقليدي تزيد الأمر سوءاً. قالت والدته: “نشعر بأننا نمشي على حبل مشدود، لا نعرف أبداً ما الذي سيثير غضبه. نشعر بالحرج في الأماكن العامة، وبالعجز في المنزل”.

2. رحلة الدعم: التحول من “مدير سلوك” إلى “محقق حسي”

كانت اللحظة الفارقة هي عندما توقفنا عن النظر إلى “سلوك” سالم وبدأنا في فهم “جهازه العصبي”. من خلال التقييم وجلسات إرشاد الوالدين، قدمنا للأسرة مفهوماً جديداً: التحديات الحسية.

  1. إعادة صياغة المفهوم: شرحنا أن دماغ سالم يعالج المعلومات الحسية (اللمس، الصوت، الحركة) بشكل مختلف. سلوكه لم يكن تحدياً متعمداً، بل كان رد فعل حقيقياً من جهازه العصبي الذي يشعر إما بالإرهاق الشديد (من الأصوات والملامس) أو بالحاجة الشديدة للمزيد من المدخلات الحسية (الحركة والضغط).
  2. تطبيق “الحمية الحسية”: بدلاً من رد الفعل على السلوكيات، عملنا معاً على وضع “حمية حسية” – خطة يومية استباقية لتلبية احتياجاته:
    • أنشطة “العمل الثقيل”: بدأوا يوم سالم بأنشطة توفر ضغطاً عميقاً ومهدئاً للجهاز العصبي، مثل القفز على ترامبولين صغير لمدة 10 دقائق، أو مساعدته في حمل سلة الغسيل.
    • أدوات للتهدئة: أصبح لديهم “صندوق أدوات” للخروج، يحتوي على سماعات عازلة للضوضاء، لعبة للمضغ، ونظارات شمسية لتقليل الحمل الحسي في الأماكن المزدحمة.
    • احترام حساسياته: اشتروا جوارب بدون خياطة، وتوقفوا عن إجباره على أكل طعام يزعجه قوامه، وبدلاً من ذلك قدموا له خيارات متنوعة في كل وجبة.
    • توفير منافذ آمنة: خصصوا “ركن اصطدام” في المنزل بوسائد كبيرة حيث يمكن لسالم أن يحصل على المدخلات الجسدية التي يحتاجها بأمان.

3. التحول الإيجابي: طفل أكثر هدوءاً وأسرة أكثر تفهماً

بمجرد أن بدأ الوالدان في تلبية احتياجات سالم الحسية بدلاً من محاربة سلوكه، حدث تحول مذهل:

  • انخفاض كبير في الانهيارات: انخفضت نوبات الغضب المتعلقة بالملابس والطعام والأماكن المزدحمة بشكل كبير، لأن المسببات الرئيسية تمت معالجتها بشكل استباقي.
  • طفل أكثر تنظيماً وسعادة: سالم، الذي كان جهازه العصبي يتلقى ما يحتاجه من مدخلات منظمة، أصبح أكثر هدوءاً وقدرة على التركيز والمشاركة في الأنشطة الأسرية.
  • والدان متمكنان: تحول شعور الوالدين من الحيرة والإحباط إلى الثقة والتمكن. أصبحوا “خبراء” في احتياجات طفلهم، قادرين على قراءة إشاراته وتلبية احتياجاته قبل أن تصل إلى نقطة الانهيار.
  • علاقة أعمق: قالت والدته: “كنا نعتقد أن لدينا طفلاً صعباً، لكن اتضح أن لدينا طفلاً لديه نظام تشغيل مختلف، وكنا نستخدم الدليل الخاطئ. تعلم احتياجاته الحسية كان بمثابة العثور على مفتاح شخصيته. لم يغير هذا سلوكه فحسب، بل غير علاقتنا به بالكامل”.