
التعبير بلا كلمات: كيف ساعد الرسم “جنى” على معالجة مخاوفها؟
1. التحدي: “ابنتنا اختفت خلف جدار من الصمت”
جاء إلينا والدا “جنى” (اسم مستعار)، طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات، وكانا يشعران بقلق عميق. قبل عدة أشهر، مرت الأسرة بظرف صحي صعب لأحد أفرادها المقربين. على الرغم من أن الوضع استقر، إلا أن شخصية جنى تغيرت. الطفلة التي كانت منفتحة ومرحة، أصبحت هادئة، منطوية، وتعاني من صعوبة في النوم وكوابيس متكررة.
كانت المشكلة الكبرى هي الصمت. كلما حاول والداها التحدث معها وسؤالها عما يزعجها، كانت إجابتها دائماً “لا شيء، أنا بخير”. لكن سلوكها كان يروي قصة مختلفة. كانت سريعة الانفعال في المنزل، وتراجعت مشاركتها في المدرسة. شعر والداها بأنها تحمل هماً كبيراً بداخلها، لكنهما كانا عاجزين عن الوصول إليها خلف جدار الصمت الذي بنته حول نفسها.
2. رحلة الدعم: عندما تتحدث الألوان والخطوط
كان من الواضح أن الضغط على جنى للكلام سيؤدي إلى المزيد من الانغلاق. لذلك، كان نهجنا هو توفير لغة بديلة يمكنها استخدامها بأمان: لغة الفن.
- الجلسات الفردية مع جنى: في جلسات العلاج بالفن، لم نطلب من جنى أن “تتحدث” عن مشاعرها، بل وفرنا لها مجموعة غنية من المواد الفنية (ألوان، صلصال، أقلام) ودعوناها للإبداع بحرية.
- ظهور القصة: على مدار عدة جلسات، بدأ نمط بالظهور في رسوماتها. كانت ترسم بشكل متكرر شخصية صغيرة جداً في زاوية الورقة، محاطة بأشكال كبيرة وداكنة تشبه الغيوم أو التشابكات.
- التعليق الانعكاسي: كان دوري ليس تفسير الرسم، بل التعليق عليه بلطف. “ألاحظ أن هذه الشخصية تبدو وحيدة قليلاً” أو “هذه الخطوط الداكنة تبدو قوية جداً”. هذا الأسلوب جعل جنى تشعر بأنها مفهومة دون الحاجة للدفاع عن نفسها.
- من التعبير إلى التمكين: بعد أن عبرت عن مشاعرها على الورق، انتقلنا بلطف إلى خطوة التمكين. سألتها: “أتساءل ماذا تحتاج هذه الشخصية الصغيرة لتشعر بالأمان؟”. في إحدى الجلسات الفارقة، قامت جنى برسم شمس صفراء كبيرة ومشرقة فوق الشخصية، و”سياج ملون” حولها. لقد كانت تستخدم الفن بشكل رمزي لإيجاد حلول لمخاوفها.
3. التحول الإيجابي: صوت مسموع وروح أخف
كانت عملية التعبير الفني بمثابة المفتاح الذي فتح الباب المغلق لمشاعر جنى، مما أدى إلى تغييرات حقيقية:
- بداية الحوار: بعد جلسة رسمت فيها “السياج الملون”، وفي طريق العودة إلى المنزل، بدأت جنى لأول مرة تتحدث مع والدتها بشكل عفوي عن مدى خوفها خلال فترة مرض قريبها. لقد سمح لها الفن بتنظيم مشاعرها بما يكفي لتتمكن من التحدث عنها.
- تحسن النوم والسلوك: مع وجود منفذ آمن لمخاوفها، انخفضت وتيرة الكوابيس بشكل كبير، وبدأت تنام بشكل أفضل. في المنزل، أصبحت أقل انفعالاً وأكثر حضوراً مع عائلتها.
- اكتساب أداة حياتية: لم تقم جنى بمعالجة مخاوفها الحالية فحسب، بل اكتسبت أداة قوية للمستقبل. لاحظ والداها أنها عندما تشعر بالضيق الآن، تذهب من تلقاء نفسها إلى طاولة الفن الخاصة بها لترسم، كوسيلة لتهدئة نفسها.
- فهم أعمق للوالدين: قالت والدتها: “كنا نركز على جعلها تتكلم، ولم ندرك أن مشاعرها كانت أكبر من الكلمات. الفن أعطاها صوتاً آمناً. رؤيتها ترسم مخاوفها، ثم ترسم حلولها الخاصة، كان أمراً مذهلاً. لم تشعر بتحسن فحسب، بل شعرت بالقوة”.
دراسات مرتبطة
