1. التحدي: “حياتنا كانت عبارة عن معركة إرادات مستمرة”

عندما تواصل معنا والدا “علي” (اسم مستعار)، طفل يبلغ من العمر 4 سنوات، كانا يشعران بأنهما فقدا السيطرة تماماً. وصفا حياتهم اليومية بأنها “سلسلة لا تنتهي من معارك الإرادة”. كل طلب بسيط، من ارتداء الملابس في الصباح، إلى غسل اليدين قبل الأكل، أو مغادرة الحديقة، كان يتحول إلى مواجهة عنيدة. كانت كلمة “لا!” هي الرد التلقائي من علي على أي شيء تقريباً.

كان الوالدان عالقين في دائرة مفرغة. يبدأون بطلب لطيف، ثم أمر أكثر حزماً، وعندما يقابلون بالرفض، يصلون إلى مرحلة الإحباط والصراخ أو التهديد بالعقاب. هذا الأسلوب كان يزيد من عناد علي، مما يزيد من إحباط الوالدين. قالت والدته: “أشعر بأنني أقضي يومي في الجدال. لقد استنزفنا تماماً، وأصبح جو المنزل متوتراً للغاية”.

2. رحلة الدعم: من السيطرة إلى التعاون

كان مفتاح الحل مع عائلة علي هو تحويل التركيز من محاولة “السيطرة” على سلوك علي، إلى فهم السبب الجذري وراءه والعمل معه كفريق. كانت جلسات إرشاد الوالدين هي محور تدخلنا.

  1. إعادة صياغة المفهوم: كانت الخطوة الأولى هي مساعدة الوالدين على رؤية أن “عناد” علي لم يكن تحدياً شخصياً لهما، بل كان دافعاً تنموياً طبيعياً وصحياً نحو الاستقلالية وتأكيد الذات. لقد كان يبحث عن شعور بالسيطرة في عالمه الصغير.
  2. تطبيق أدوات التربية الإيجابية: زودنا الوالدين بصندوق أدوات من الاستراتيجيات العملية لاستبدال الصراع بالتعاون:
    • قوة الخيارات المحدودة: بدلاً من أمر “ارتدِ سترتك الآن!”، تعلموا أن يقولوا “هل تريد ارتداء السترة الزرقاء أم الخضراء؟”. هذا الخيار البسيط أعطى علياً الشعور بالقوة والسيطرة الذي كان يبحث عنه، وفي نفس الوقت حقق هدف الوالدين.
    • استخدام عبارات “عندما – حينها”: تحولت الأوامر إلى اتفاقات. “عندما تضع ألعابك في الصندوق، حينها يمكننا قراءة القصة”.
    • الاتصال قبل الطلب: تعلم الوالدان أهمية الاتصال العاطفي أولاً. قبل طلب شيء ما، كانا يجلسان بجانبه للحظة، ويظهران اهتماماً بما يفعله (“واو، هذا البرج الذي تبنيه رائع!”)، ثم يقدمان الطلب بلطف.
    • إعطاء “وظيفة” مهمة: أصبح علي هو “مساعد وقت العشاء”، المسؤول عن توزيع المناديل على الطاولة. هذا الدور المهم أعطاه شعوراً بالقيمة والمشاركة الإيجابية.

3. التحول الإيجابي: بيت أكثر سلاماً وطفل أكثر تعاوناً

بتطبيق هذه الاستراتيجيات بشكل متسق، بدأ جو المنزل يتغير بشكل جذري خلال أسابيع قليلة:

  • انخفاض كبير في الصراعات: انخفض عدد المرات التي يقول فيها علي “لا” بشكل كبير، لأنه لم يعد يشعر بالحاجة للدخول في معركة لإثبات استقلاليته.
  • زيادة التعاون: أصبح يشارك في الروتين اليومي (مثل ارتداء الملابس والاستعداد للنوم) بمقاومة أقل بكثير، لأنه شعر بأن رغبته في الاختيار والسيطرة تُحترم.
  • تغير في سلوك الوالدين: كان التحول الأكبر لدى الوالدين أنفسهم. شعروا بمزيد من الهدوء والتمكن. تحولوا من دور “الشرطي” إلى دور “المرشد”.
  • علاقة أقوى: قال والد علي: “الأمر المدهش هو أننا لم نغير علياً، بل غيرنا طريقتنا في التعامل معه. بإعطائه القليل من القوة في الأمور الصغيرة، حصلنا على تعاون كبير في الأمور المهمة. لقد استعاد منزلنا سلامه أخيراً”.