هل تشعر أحياناً بأن ردود أفعال طفلك العاطفية أكبر بكثير من الموقف نفسه؟ هل تؤدي قصة حزينة إلى بحر من الدموع؟ وهل كلمة نقد بسيطة تشعره بجرح عميق؟ إذا كانت الإجابة نعم، فمن المحتمل أن يكون لديك طفل “شديد الحساسية”. قد يكون التعامل مع هذه المشاعر الكبيرة أمراً مرهقاً، وقد يدفعنا أحياناً إلى قول عبارات مثل “أنت تبالغ” أو “لا تكن حساساً جداً”. لكن الحقيقة هي أن هذه الحساسية ليست عيباً يجب إصلاحه، بل هي سمة فطرية في شخصيته. هؤلاء الأطفال يشعرون بكل شيء بعمق أكبر: الفرح، الحزن، التعاطف، والإحباط. المفتاح ليس في محاولة “تقويتهم”، بل في تزويدهم بالأدوات اللازمة للتعامل مع عالمهم الداخلي الغني.
أولاً: غيّر عدستك – من “درامي” إلى “عميق”
الخطوة الأولى والأهم هي تغيير طريقة نظرك لطفلك. توقف عن استخدام تسميات مثل “درامي” أو “مفرط الحساسية”. بدلاً من ذلك، انظر إلى الجانب المشرق لهذه السمة. الأطفال الحساسون غالباً ما يكونون:
- شديدو التعاطف: لديهم قدرة مذهلة على الشعور بالآخرين.
- مبدعون ومبتكرون: يمتلكون خيالاً واسعاً وعالماً داخلياً غنياً.
- ملاحظون دقيقون: يلاحظون التفاصيل الصغيرة التي قد يغفل عنها الآخرون. عندما تبدأ في رؤية هذه الحساسية كقوة، ستتغير طريقة تفاعلك معه بشكل جذري.
ثانياً: كن مرساة لمشاعره، لا محركاً لها
الطفل الحساس لديه جهاز عصبي يتأثر بسهولة. إذا قابلت مشاعره الكبيرة بمشاعر كبيرة من عندك (مثل الغضب أو الإحباط)، فإنك بذلك تصب الزيت على النار. مهمتك هي أن تكون المرساة الهادئة في خضم عاصفته العاطفية. عندما يبدأ بالانهيار، خذ نفساً عميقاً أنت أولاً. وجودك الهادئ والمطمئن يساعد على تنظيم جهازه العصبي المنهك.
ثالثاً: التحقق من صحة المشاعر هو مفتاحك السحري
الأطفال الحساسون يحتاجون بشدة إلى الشعور بأنهم مفهومون. تجاهل مشاعرهم أو التقليل من شأنها (“الأمر لا يستدعي كل هذا البكاء”) يرسل لهم رسالة بأن مشاعرهم خاطئة، وهذا مؤذٍ جداً.
- جرب هذه العبارات:
- “أعلم أنك تشعر بخيبة أمل كبيرة لأن لعبتك انكسرت.”
- “يبدو أن هذا الموقف كان محبطاً جداً بالنسبة لك.”
- “من الطبيعي أن تشعر بالحزن عندما يغادر صديقك.” التحقق من صحة الشعور لا يعني أنك توافق على السلوك (مثل الصراخ)، بل يعني أنك تتفهم الشعور الكامن وراءه.
رابعاً: علّمهم أدوات عملية لإدارة المشاعر
بعد الاعتراف بالشعور، تأتي خطوة تعليم المهارات.
- أنشئوا “ركن هدوء”: مكان مريح في المنزل يلجأ إليه الطفل عندما يشعر بالإرهاق، مليء بأشياء مهدئة مثل الوسائد والكتب والألعاب الحسية.
- علمهم التنفس: تدربوا معاً على تمارين تنفس بسيطة وممتعة، مثل “شم الوردة، ثم أطفئ الشمعة”.
- وفر منافذ جسدية: المشاعر الكبيرة تحتاج إلى مخرج. شجع على أنشطة مثل الركض في الخارج، القفز، أو حتى ضرب الوسائد للتعبير عن الغضب بطريقة آمنة.
خامساً: احترم احتياجاتهم الحسية والاجتماعية
غالباً ما تكون الحساسية العاطفية مرتبطة بحساسية جسدية.
- انتبه للمحفزات الحسية: قد تزعجهم حقاً ملصقات الملابس، الجوارب غير المريحة، أو الأصوات العالية. احترام هذه الاحتياجات ليس “تدليلاً”، بل هو تلبية لحاجة حقيقية.
- خطط لوقت للراحة: المناسبات الاجتماعية المزدحمة تستنزف طاقة الطفل الحساس بسرعة. تأكد من التخطيط لوقت هادئ للراحة بعد المدرسة أو بعد حفلة عيد ميلاد لمساعدته على إعادة شحن طاقته.
إن تربية طفل شديد الحساسية قد تتطلب منك صبراً وتفهماً إضافيين، لكنها أيضاً فرصة رائعة. هؤلاء الأطفال لديهم القدرة على أن يصبحوا بالغين متعاطفين ومبدعين بشكل استثنائي. طفلك لا يحتاج منك أن “تصلح” مشاعره، بل يحتاج منك أن تجلس معه في العاصفة، تمسك بيده، وتظهر له أنه قادر على الإبحار خلالها بأمان.
كل طفل حساس هو فريد من نوعه. إذا كنتم تجدون صعوبة في فهم ودعم طفلكم شديد العاطفة، فإن جلسات الإرشاد النفسي والأسري تقدم لكم الأدوات والاستراتيجيات اللازمة لمساعدة طفلكم على الازدهار. تواصلوا معنا.